فصل: بَابُ: صِفَةِ الصَّلَاةِ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا وَأَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


بَابُ‏:‏ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا وَأَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا

‏(‏سُنَّ خُرُوجٌ إلَيْهَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاةِ ‏(‏بِسَكِينَةٍ‏)‏ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا، وَتَخْفِيفِ الْكَافِ أَيْ طُمَأْنِينَةٍ وَتَأَنٍّ فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابِ الْبَعَثَاتِ ‏(‏وَوَقَارٍ‏)‏ كَسَحَابٍ‏.‏

أَيْ رَزَانَةٍ، كَغَضِّ الطَّرْفِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏إذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا‏}‏، وَلِمُسْلِمٍ ‏{‏فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ‏}‏ وَيُقَارِبُ فِي خُطَاهُ، لِتَكْثُرَ حَسَنَاتُهُ وَيَكُونُ مُتَطَهِّرًا، غَيْرَ مُشَبِّكٍ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَائِلًا مَا وَرَدَ، قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ فَإِنْ طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْرِعَ شَيْئًا، مَا لَمْ تَكُنْ عَجَلَةٌ تَقْبَحُ‏.‏

وَفِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ مَا مَعْنَاهُ‏:‏ إنْ خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْجُمُعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ لَهُ الْإِسْرَاعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْجَبِرُ إذَا فَاتَ ‏(‏وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ‏)‏ عِنْدَ دُخُولِهِ اسْتِحْبَابًا بِسْمِ اللَّهِ، ‏{‏وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ‏.‏

وَيَقُولُ‏}‏ أَيْ مَا ذُكِرَ‏.‏

‏(‏إذَا خَرَجَ‏)‏ مِنْ الْمَسْجِدِ ‏(‏إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ‏:‏ أَبْوَابَ فَضْلِكَ‏)‏ بَدَلَ ‏"‏ أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ؛ ‏"‏ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيُتَوَجَّهُ‏:‏ يَتَعَوَّذُ إذَا خَرَجَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَجُنُودِهِ لِلْخَبَرِ، وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَخُوضُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا‏.‏

‏(‏وَسُنَّ قِيَامُ إمَامٍ‏)‏ إلَى الصَّلَاةِ فَقِيَامُ مَأْمُومٍ ‏(‏غَيْرِ مُقِيمٍ‏)‏ لِلصَّلَاةِ ‏(‏إلَيْهَا إذَا قَالَ الْمُقِيمُ‏)‏ لَهَا ‏(‏قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ‏)‏ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى؛ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَاسْتُحِبَّتْ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا عِنْدَهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ أَجْمَعَ عَلَى هَذَا أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ ‏(‏إذَا رَأَى‏)‏ الْمَأْمُومُ ‏(‏الْإِمَامَ وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَرَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُقِيمِ‏:‏ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ‏(‏فَ‏)‏ أَنَّهُ يَقُومُ ‏(‏عِنْدَ رُؤْيَتِهِ‏)‏ لِإِمَامِهِ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَالْمُقِيمُ يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ كُلِّهَا قَائِمًا وَتَقَدَّمَ ‏(‏ثُمَّ يُسَوِّي إمَامٌ الصُّفُوفَ بِمَنْكِبٍ وَكَعْبٍ‏)‏ اسْتِحْبَابًا فَيَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ‏:‏ اسْتَوُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ لِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَوْمًا، فَقَالَ‏:‏ هَلْ تَدْرِي لِمَ صُنِعَ هَذَا الْعُودُ‏؟‏ فَقُلْتُ‏:‏ لَا وَاَللَّهِ، فَقَالَ‏:‏ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ، فَقَالَ‏:‏ اعْتَدِلُوا وَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ أَخَذَهُ بِيَسَارِهِ وَقَالَ‏:‏ اعْتَدِلُوا وَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ تُقَامَ الصُّفُوفُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ ‏(‏وَسُنَّ تَكْمِيلُ‏)‏ صُفُوفٍ ‏(‏أَوَّلَ فَأَوَّلَ‏)‏ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْآخِرِ، فَلَوْ تُرِكَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ كُرِهَ لِحَدِيثِ ‏{‏لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ‏}‏ وَتَقَدَّمَ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ‏:‏ يُحَافِظُ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ، وَيُتَوَجَّهُ مِنْ نَصِّهِ‏:‏ يُسْرِعُ إلَى الْأُولَى لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا‏.‏

وَالْمُرَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ‏:‏ إذَا لَمْ تَفُتْهُ الْجَمَاعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ مُطْلَقًا، وَإِلَّا حَافَظَ عَلَيْهَا، فَيُسْرِعُ إلَيْهَا ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏الْمُرَاصَّةُ‏)‏ أَيْ الْتِصَاقُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بِبَعْضٍ وَسَدُّ خَلَلِ الصُّفُوفِ ‏(‏وَيَمِينُهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ لِرِجَالٍ أَفْضَلُ ‏(‏وَ‏)‏ صَفٌّ أَوَّلُ ‏(‏لِرِجَالٍ‏)‏ مَأْمُومِينَ ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ مِمَّا بَعْدَهُ‏.‏

قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ‏:‏ وَلَهُ ثَوَابُهُ وَثَوَابُ مَنْ وَرَاءَهُ مَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ لِاقْتِدَائِهِمْ بِهِ‏.‏ اهـ، وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْهُ أَفْضَلُ وَكَذَا قُرْبُ الْأَفْضَلِ وَالصَّفِّ مِنْهُ، وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَعَكْسُهُ النِّسَاءُ‏.‏

وَتُكْرَهُ صَلَاةُ رَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي، وَيَأْتِي حُكْمُ إيثَارِهِ بِمَكَانِهِ الْأَفْضَلِ وَإِقَامَتِهِ غَيْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الصَّفُّ الْأَوَّلُ ‏(‏مَا يَقْطَعُهُ الْمِنْبَرُ‏)‏ يَعْنِي مَا يَلِي الْإِمَامَ وَلَوْ قَطَعَهُ الْمِنْبَرُ، فَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ تَامًّا ‏(‏ثُمَّ يَقُولُ‏)‏ مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ‏(‏قَائِمًا مَعَ قُدْرَةٍ‏)‏ عَلَى قِيَامٍ ‏(‏لِمَكْتُوبَةٍ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ‏)‏ لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِهِ نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ قَبْلَ ذَلِكَ، قِيلَ لِأَحْمَدَ‏:‏ قَبْلَ التَّكْبِيرِ تَقُولُ شَيْئًا قَالَ‏:‏ لَا يَعْنِي لَيْسَ قَبْلَهُ دُعَاءٌ مَسْنُونٌ، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ‏.‏ اهـ‏.‏ وَتَقَدَّمَ لَكَ كَلَامُهُ فِي آخِرِ الْأَذَانِ‏.‏

وَيَكُونُ التَّكْبِيرُ ‏(‏مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا‏)‏ فَلَا يُجْزِئُ‏:‏ أَكْبَرُ اللَّهُ، وَلَا إنْ سَكَتَ بَيْنَهُمَا مَا يُمْكِنُ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَتُسَمَّى تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِهَا فِي عِبَادَةٍ يَحْرُمُ بِهَا أُمُورٌ، وَالْإِحْرَامُ الدُّخُولُ فِي حُرْمَةٍ لَا تُنْتَهَكُ، وَحِكْمَةُ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِهَذَا اللَّفْظِ‏:‏ اسْتِحْضَارُ الْمُصَلِّي عَظَمَةَ مَنْ تَهَيَّأَ لِخِدْمَتِهِ، وَالْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَمْتَلِئَ هَيْبَةً فَيَحْضُرَ قَلْبُهُ وَيَخْشَعَ وَلَا يَغِيبُ‏.‏

‏(‏فَإِنْ أَتَى بِهِ‏)‏ أَيْ بِتَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ كُلِّهِ غَيْرَ قَائِمٍ، بِأَنْ قَالَ وَهُوَ قَاعِدٌ أَوْ رَاكِعٌ وَنَحْوُهُ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ ‏(‏أَوْ ابْتَدَأَهُ‏)‏ أَيْ التَّكْبِيرَ غَيْرَ قَائِمٍ، كَأَنْ ابْتَدَأَهُ قَاعِدًا وَأَتَمَّهُ قَائِمًا ‏(‏أَوْ أَتَمَّهُ غَيْرَ قَائِمٍ‏)‏، بِأَنْ ابْتَدَأَهُ قَائِمًا وَأَتَمَّهُ رَاكِعًا مَثَلًا ‏(‏صَحَّتْ‏)‏ صَلَاتُهُ ‏(‏نَفْلًا‏)‏؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ يُفْسِدُ الْفَرْضَ فَقَطْ دُونَ النَّفْلِ فَتَنْقَلِبُ بِهِ صَلَاتُهُ نَفْلًا ‏(‏إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ‏)‏ لِإِتْمَامِ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ كُلِّهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَإِلَّا اسْتَأْنَفَ الْفَرْضَ قَائِمًا ‏(‏وَتَنْعَقِدُ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏إنْ مَدَّ اللَّامَ‏)‏ أَيْ لَامَ الْجَلَالَةِ؛ لِأَنَّهَا مَمْدُودَةٌ، فَغَايَتُهُ‏:‏ زِيَادَتُهَا مِنْ غَيْرِ إتْيَانٍ بِحَرْفٍ زَائِدٍ‏.‏

وَ‏(‏لَا تَنْعَقِدُ إنْ مَدَّ هَمْزَةَ اللَّهِ، أَوْ‏)‏ مَدَّ هَمْزَةَ ‏(‏أَكْبَرَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِفْهَامًا فَيَخْتَلُّ الْمَعْنَى ‏(‏أَوْ قَالَ‏:‏ أَكْبَارٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ كَبْرٍ‏.‏

بِفَتْحِ الْكَافِ‏.‏

وَهُوَ الطَّبْلُ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏الْأَكْبَرُ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ اللَّهُ الْكَبِيرُ أَوْ الْجَلِيلُ وَنَحْوَهُ، أَوْ قَالَ‏:‏ أَقْبَرُ، أَوْ اللَّهُ فَقَطْ، أَوْ أَكْبَرُ فَقَطْ، وَفِي‏:‏ اللَّهُ الْأَكْبَرُ وَجْهٌ تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى ‏(‏وَيَلْزَمُ جَاهِلًا‏)‏ بِالتَّكْبِيرَةِ ‏(‏تَعَلُّمُهَا‏)‏ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي مَكَانِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ‏.‏

وَفِي التَّلْخِيصِ‏:‏ إنْ كَانَ فِي الْبَادِيَةِ لَزِمَهُ قَصْدُ الْبَلَدِ لِتَعَلُّمِهِ، وَلَا تَصِحُّ إنْ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ، مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى تَعَلُّمٍ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ فَلَزِمَهُ تَعَلُّمُهُ كَالْفَاتِحَةِ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ عَنْ تَعَلُّمِ التَّكْبِيرِ ‏(‏أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُ، كَبَّرَ بِلُغَتِهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا‏}‏ وَالْقِرَاءَةُ مُتَعَبَّدٌ بِهَا ‏(‏وَإِنْ عَرَفَ لُغَاتٍ فِيهَا‏)‏ أَيْ اللُّغَاتِ ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ مِنْ غَيْرِهِ ‏(‏كَبَّرَ بِهِ‏)‏ أَيْ الْأَفْضَلِ قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ عَلَى الْمُحَرَّرِ‏:‏ يُقَدَّمُ السُّرْيَانِيُّ، ثُمَّ الْفَارِسِيُّ، ثُمَّ التُّرْكِيُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ، كَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ ‏(‏فَ‏)‏ إنَّهُ ‏(‏يُخَيَّرُ‏)‏ فَيُكَبِّرُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا ‏(‏وَكَذَا كُلُّ ذِكْرٍ وَاجِبٍ‏)‏ كَتَسْمِيعٍ وَتَحْمِيدٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ، فَيَلْزَمُهُ تَعَلُّمُهُ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا أَتَى بِهِ بِلُغَتِهِ، وَإِنْ عَرَفَ لُغَاتٍ، فَكَمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ‏.‏

وَتَأْتِي ‏(‏وَإِنْ عَلِمَ الْبَعْضَ‏)‏ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، كَلَفْظِ‏:‏ اللَّهُ، أَوْ أَكْبَرُ، أَوْ سُبْحَانَ، وَنَحْوِهِ ‏(‏ أَتَى بِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ وَتَرْجَمَ عَنْ الْبَاقِي ‏(‏وَإِنْ تَرْجَمَ عَنْ‏)‏ ذِكْرٍ ‏(‏مُسْتَحَبٍّ بَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا، لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ‏.‏

وَإِنْ زَادَ عَارِفٌ بِعَرَبِيَّةٍ عَلَى التَّكْبِيرِ، كَقَوْلِهِ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَعْلَمُ، أَوْ أَجَلُّ وَنَحْوِهِ كُرِهَ‏.‏

‏(‏وَيَحْرُمُ أَخْرَسُ وَنَحْوُهُ‏)‏ كَعَاجِزٍ عَنْ نُطْقٍ لِمَرَضٍ وَمَقْطُوعِ لِسَانٍ ‏(‏بِقَلْبِهِ‏)‏ وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ وَلَوْ قِيلَ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِذَلِكَ، لَكَانَ أَقْرَبَ‏.‏

وَكَذَا حُكْمُ الْقِرَاءَةِ، وَبَاقِي الْأَذْكَارِ، وَالتَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ، وَالتَّكْبِيرِ مِنْ الصَّلَاةِ‏.‏

لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ فِي الصَّلَاةِ ‏{‏إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ‏}‏ ‏(‏وَسُنَّ جَهْرُ إمَامٍ بِتَكْبِيرِ‏)‏ الصَّلَاةِ كُلِّهِ ‏(‏وَبِتَسْمِيعٍ‏)‏ أَيْ قَوْلِ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ‏(‏وَتَسْلِيمَةٍ أُولَى‏)‏ لِيَقْتَدِيَ بِهِ الْمَأْمُومُ، بِخِلَافِ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ وَالتَّحْمِيدِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ جَهْرُهُ أَيْضًا ‏(‏بِقِرَاءَةٍ فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ، بِحَيْثُ يُسْمِعُ‏)‏ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْمِيعِ وَالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَالْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ ‏(‏مَنْ خَلْفَهُ‏)‏ لِيُتَابِعُوهُ، وَيَحْصُلَ لَهُمْ اسْتِمَاعُ قِرَاءَتِهِ ‏(‏وَأَدْنَاهُ‏)‏ أَيْ أَدْنَى جَهْرِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ ‏(‏سَمَاعُ غَيْرِهِ‏)‏ مِنْ الْمَأْمُومِينَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏إسْرَارُ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ، وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ وَالْمَأْمُومُ ‏(‏بِتَكْبِيرٍ‏)‏ وَتَسْمِيعٍ ‏(‏وَسَلَامٍ‏)‏ كَغَيْرِهَا ‏(‏وَفِي الْجَهْرِ‏)‏ وَالْإِخْفَاتِ ‏(‏بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ تَفْصِيلٌ‏.‏

وَيَأْتِي‏)‏ قَرِيبًا ‏(‏وَكُرِهَ جَهْرُ مَأْمُومٍ‏)‏ فِي صَلَاةٍ بِقَوْلٍ مِنْهَا ‏(‏إلَّا بِتَكْبِيرٍ وَتَحْمِيدٍ وَسَلَامٍ لِحَاجَةٍ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ الْإِمَامُ إسْمَاعَ جَمِيعِهِمْ، لِنَحْوِ بُعْدٍ، وَكَثْرَةٍ ‏(‏فَيُسَنُّ‏)‏ جَهْرُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بِذَلِكَ‏.‏

لِيَسْمَعَ مَنْ لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خَلْفَهُ فَإِذَا كَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ، لِيُسْمِعَنَا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَظَاهِرُهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِعْلَامَ؛ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ بِكَلَامِ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ ‏(‏وَجَهْرُ كُلِّ مُصَلٍّ‏)‏ إمَامٍ أَوْ مَأْمُومٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ ‏(‏فِي رُكْنٍ‏)‏ كَتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ وَتَشَهُّدٍ أَخِيرٍ وَسَلَامٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏وَاجِبٍ‏)‏ كَتَسْمِيعٍ وَتَحْمِيدٍ، وَبَاقِي تَكْبِيرٍ وَتَشَهُّدٍ أَوَّلٍ ‏(‏بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ‏)‏ حَيْثُ لَا مَانِعَ، و‏(‏مَعَ مَانِعٍ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ السَّمَاعُ مَعَ عَدَمِهِ‏)‏ أَيْ الْمَانِعِ ‏(‏فَرْضٌ‏)‏ خَبَرُ‏:‏ جَهْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ آتِيًا بِذَلِكَ بِدُونِ صَوْتٍ، وَالصَّوْتُ يُسْمَعُ، وَأَقْرَبُ السَّامِعِينَ إلَيْهِ‏:‏ نَفْسُهُ ‏(‏وَسُنَّ‏)‏ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِصَلَاةٍ ‏(‏رَفْعُ يَدَيْهِ‏)‏ مَعًا مَعَ قُدْرَةٍ، وَالْأَوْلَى كَشْفُهُمَا هُنَا وَفِي الدُّعَاءِ ‏(‏أَوْ‏)‏ رَفْعُ ‏(‏إحْدَاهُمَا عَجْزًا‏)‏ عَنْ رَفْعِ الْأُخْرَى‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الرَّفْعِ ‏(‏مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ‏)‏ حَالَ كَوْنِ يَدَيْهِ ‏(‏مَمْدُودَتَيْ الْأَصَابِعِ مَضْمُومَتَيْهَا‏)‏ أَيْ الْأَصَابِعِ ‏(‏مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهَا الْقِبْلَةَ‏)‏ وَيَكُونُ الرَّفْعُ ‏(‏إلَى حَذْوِ‏)‏ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُقَابِلِ ‏(‏مَنْكِبَيْهِ‏)‏ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ‏:‏ مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ ‏(‏إنْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ لِلْمُصَلِّي ‏(‏عُذْرٌ‏)‏ يَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ، رَفَعَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ‏(‏وَيُنْهِيهِ‏)‏ أَيْ الرَّفْعَ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ أَيْ التَّكْبِيرِ، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ ‏"‏ أَنَّهُ ‏{‏رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ‏}‏ وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ‏}‏‏.‏

وَفِي الْمُتَّفَق عَلَيْهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا ‏"‏ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ‏}‏‏.‏

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا‏}‏ وَأَمَّا خَبَرُهُ الْآخَرُ ‏{‏كَانَ يَنْشُرُ أَصَابِعَهُ لِلتَّكْبِيرِ‏}‏ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ‏:‏ خَطَأٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ، فَمَعْنَاهُ‏:‏ الْمَدُّ، قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا هَذَا الضَّمُّ، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ، وَهَذَا النَّشْرُ، وَمَدَّ أَصَابِعَهُ‏.‏

وَهَذَا التَّفْرِيقُ، وَفَرَّقَ أَصَابِعَهُ؛ وَلِأَنَّ النَّشْرَ لَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ، كَنَشْرِ الثَّوْبِ، وَرَفْعُهُمَا إشَارَةٌ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ ‏(‏وَيَسْقُطُ‏)‏ اسْتِحْبَابُ الرَّفْعِ ‏(‏ بِفَرَاغِ التَّكْبِيرِ‏)‏ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، فَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ فِيمَا بَقِيَ، لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يُسَنُّ لَهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ ‏(‏وَضْعُ كَفِّ‏)‏ يَدٍ ‏(‏يُمْنَى عَلَى كُوعِ‏)‏ يَدٍ ‏(‏يُسْرَى‏)‏ لِمَا رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا، فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ لَهُ أَيْضًا ‏(‏جَعْلُهُمَا‏)‏ أَيْ يَدَيْهِ ‏(‏تَحْتَ سُرَّتِهِ‏)‏ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏"‏ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ ‏"‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَمَعْنَاهُ‏:‏ ذُلٌّ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ لَهُ أَيْضًا ‏(‏نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ‏)‏ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏{‏كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ‏}‏، رَمَقُوا بِأَبْصَارِهِمْ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِمْ‏}‏؛ وَلِأَنَّهُ أَخْشَعُ لِلْمُصَلِّي، وَأَكَفُّ لِبَصَرِهِ ‏(‏إلَّا‏)‏ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي ‏(‏فِي صَلَاةِ خَوْفٍ‏)‏ مِنْ عَدُوٍّ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَخَائِفٍ ضَيَاعَ مَالٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

فَيَنْظُرُ إلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ وَمَالِهِ ‏(‏لِحَاجَتِهِ‏)‏ إلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ ‏(‏ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ‏)‏ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ‏:‏ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ‏:‏ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ أَنَسٌ أَيْضًا‏.‏

وَعَمِلَ بِهِ عُمَرُ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ إمَامُنَا، وَجُوِّزَ الِاسْتِفْتَاحُ بِغَيْرِهِ مِمَّا وَرَدَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ سُبْحَانَكَ ‏"‏ أَيْ تَنْزِيهًا لَكَ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِكَ مِنْ النَّقَائِصِ وَالرَّذَائِلِ، ‏"‏ وَبِحَمْدِكَ ‏"‏ أَيْ بِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ ‏"‏ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ ‏"‏ أَيْ كَثُرَتْ بَرَكَاتُهُ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَصَرَّفْ مِنْهُ مُسْتَقْبَلٌ وَلَا اسْمُ فَاعِلٍ ‏"‏ وَتَعَالَى جَدُّكَ ‏"‏ أَيْ ارْتَفَعَ قَدْرُكَ وَعَظُمَ، وَقَالَ الْحَسَنُ‏:‏ الْجَدُّ الْغِنَى‏.‏

فَالْمَعْنَى‏:‏ ارْتَفَعَ غِنَاكَ عَنْ أَنْ يُسَاوِيَهُ غِنَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ ‏"‏ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ ‏"‏ أَيْ لَا إلَهَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَتُرْجَى رَحْمَتُهُ وَتُخَافُ سَطْوَتُهُ غَيْرُكَ ‏(‏ثُمَّ يَسْتَعِيذُ‏)‏ فَيَقُولُ‏:‏ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏}‏ أَيْ إذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ‏.‏

وَتَحْصُلُ الِاسْتِعَاذَةُ بِكُلِّ مَا أَدَّى مَعْنَاهَا، لَكِنْ مَا ذُكِرَ أَوْلَى، وَمَعْنَى أَعُوذُ‏:‏ أَلْجَأُ، وَالشَّيْطَانُ‏:‏ اسْمُ كُلِّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ‏.‏

وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ ‏(‏ثُمَّ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ‏)‏ أَيْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏.‏

لِحَدِيثِ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ أَنَّهُ قَالَ ‏{‏صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَشْبَهَكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ‏.‏

وَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِفْتَاحَ وَلَوْ عَمْدًا حَتَّى تَعَوَّذَ، أَوْ التَّعَوُّذَ، حَتَّى بَسْمَلَ أَوْ الْبَسْمَلَةَ حَتَّى أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ‏.‏

سَقَطَ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْبَسْمَلَةُ ‏(‏آيَةٌ‏)‏ مِنْ الْفَرَائِضِ‏.‏

لِمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ بِسَنَدِهِ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَعَدَّهَا آيَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏:‏ آيَتَيْنِ‏}‏ ‏(‏فَاصِلَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ‏)‏ وَفِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ ‏(‏سِوَى بَرَاءَةٍ، فَيُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهَا بِهَا‏)‏ أَيْ الْبَسْمَلَةِ لِنُزُولِهَا بِالسَّيْفِ وَتُسْتَحَبُّ فِي ابْتِدَاءِ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ، وَكِتَابَتُهَا أَوَائِلَ الْكُتُبِ، وَلَا تُكْتَبُ أَمَامَ الشِّعْرِ وَلَا مَعَهُ، نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ، وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي‏:‏ لِأَنَّهُ يَشُوبُهُ الْكَذِبُ وَالْهَجْرُ غَالِبًا، وَيُخَيَّرُ فِي الْجَهْرِ بِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ‏.‏

‏(‏وَلَا يُسَنُّ جَهْرٌ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ‏:‏ أَنَّ الَّذِي يَسْمَعُهُ أَنَسٌ مِنْهُمْ ‏(‏الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏)‏ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ قَتَادَةَ ‏{‏فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏‏.‏

وَفِي لَفْظٍ ‏{‏فَكُلُّهُمْ يُخْفِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏ وَفِي لَفْظٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسِرُّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ شَاهِينِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ‏:‏ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ آيَةً مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا لِحَدِيثِ ‏{‏قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْحَدِيثَ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

فَلَوْ كَانَتْ آيَةً لَعَدَّهَا وَبَدَأَ بِهَا، وَلِحَدِيثِ ‏{‏سُورَةٌ هِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِقَارِئِهَا، أَلَا وَهِيَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ‏}‏ وَهِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً سِوَى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَقْرَأُ ‏(‏الْفَاتِحَةَ‏)‏ تَامَّةً بِتَشْدِيدِ آيَاتِهَا، مُرَتَّبَةً مُرَتَّلَةً مُتَوَالِيَةً‏.‏

يَقِفُ عَلَى كُلِّ آيَةٍ، كَقِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ أَفْضَلُ سُورَةٍ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏.‏

وَذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ ‏{‏قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الَّذِي أُوتِيتُهُ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعْدِ بْنِ الْمُعَلَّى، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمُ آيَةٍ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَالْفَاتِحَةُ رُكْنٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَيُطَوِّلُ الْأُولَى، وَيُقَصِّرُ الثَّانِيَةَ، وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ‏}‏ وَعَنْهُ وَعَنْ عُبَادَةَ قَالَا ‏{‏أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ‏}‏ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيُّ ‏(‏وَفِيهَا‏)‏ أَيْ الْفَاتِحَةِ ‏(‏إحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً‏)‏ أَوَّلُهَا‏:‏ اللَّامُ فِي اللَّهِ، وَآخِرُهَا‏:‏ تَشْدِيدَتَا الضَّالِّينَ، وَيُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي التَّشْدِيدِ وَالْمَدِّ ‏(‏فَإِنْ تَرَكَ‏)‏ غَيْرُ مَأْمُومٍ ‏(‏وَاحِدَةً‏)‏ مِنْ تَشْدِيدَاتِهَا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ، لِتَرْكِهِ حَرْفًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ الْمُشَدَّدَ أُقِيمَ مَقَامَ حَرْفَيْنِ، هَذَا إذَا فَاتَ مَحَلُّهَا وَبَعُدَ عَنْهُ، بِحَيْثُ يُخِلُّ بِالْمُوَالَاةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ فَأَعَادَ الْكَلِمَةَ أَجْزَأَ ذَلِكَ، كَمَنْ نَطَقَ بِالْكَلِمَةِ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ، ثُمَّ أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِهِ‏.‏

وَإِنْ لَيَّنَهَا وَلَمْ يُحَقِّقْهَا عَلَى الْكَمَالِ، فَلَا إعَادَةَ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَرَكَ ‏(‏تَرْتِيبَهَا‏)‏ أَيْ الْفَاتِحَةِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ التَّرْتِيبِ مُخِلٌّ بِالْإِعْجَازِ ‏(‏أَوْ قَطَعَهَا‏)‏ أَيْ الْفَاتِحَةَ ‏(‏غَيْرُ مَأْمُومٍ‏)‏ بِأَنْ كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا ‏(‏بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ‏)‏ عُرْفًا ‏(‏أَوْ‏)‏ ب ‏(‏ذِكْرٍ كَثِيرٍ أَوْ دُعَاءٍ‏)‏ كَثِيرٍ، غَيْرِ مَشْرُوعٍ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا؛ لِقَطْعِهِ مُوَالَاتَهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ قَطَعَهَا غَيْرُ مَأْمُومٍ ب ‏(‏قُرْآنٍ كَثِيرٍ‏)‏ عُرْفًا ‏(‏لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا‏)‏ أَيْ أَنْ يَبْتَدِئَهَا مِنْ أَوَّلِهَا ‏(‏إنْ تَعَمَّدَ‏)‏ الْقَطْعَ الْمُبْطِلَ، فَلَوْ كَانَ سَهْوًا عُفِيَ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ‏:‏ لَوْ سَكَتَ كَثِيرًا نِسْيَانًا أَوْ نَوْمًا أَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهَا غَلَطًا، فَطَالَ‏.‏

بَنَى عَلَى مَا قَرَأَ مِنْهَا ‏(‏وَكَانَ‏)‏ الْقَطْعُ ‏(‏غَيْرَ مَشْرُوعٍ‏)‏ فَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا، كَسُكُوتِهِ لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ هُوَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَكَسُجُودٍ لِتِلَاوَةٍ وَسُؤَالِهِ الرَّحْمَةَ عِنْدَ آيَةِ رَحْمَةٍ، وَتَعَوُّذٍ عِنْدَ آيَةِ عَذَابٍ، وَلَوْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِعْرَاضٍ، وَلَا يَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بِنِيَّةِ قَطْعِهَا فِي أَثْنَائِهَا مُطْلَقًا ‏(‏فَإِذَا فَرَغَ‏)‏ مِنْ الْفَاتِحَةِ ‏(‏قَالَ‏)‏ بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ، لِيُعْلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا هِيَ طَابِعُ الدُّعَاءِ ‏(‏آمِينَ‏)‏ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَعَ الْمَدِّ، فِي الْأَشْهَرِ، وَيَجُوزُ الْقَصْرُ وَالْإِمَالَةُ‏.‏

وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ، مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَتْحِ كَلَيْتَ، وَتُسَكَّنُ عِنْدَ الْوَقْفِ ‏(‏وَحَرُمَ وَبَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ ‏(‏إنْ شَدَّدَ مِيمَهَا‏)‏؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَلَامًا أَجْنَبِيًّا، فَيُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَجَهْلُهُ، مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ حَكَاهُ لُغَةً فِيهَا ‏(‏وَيَجْهَرُ بِهَا‏)‏ أَيْ آمِينَ ‏(‏إمَامٌ وَمَأْمُومٌ مَعًا‏)‏ اسْتِحْبَابًا؛ لِقَوْلِ عَطَاءٍ ‏"‏ كُنْتُ أَسْمَعُ الْأَئِمَّةَ‏:‏ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَعْدَهُ يَقُولُونَ‏:‏ آمِينَ، وَمَنْ خَلْفَهُمْ آمِينَ، حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً ‏"‏ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدِهِ‏.‏

وَاللَّجَّةُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ‏:‏ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ‏.‏

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ‏:‏ آمِينَ‏}‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ‏.‏

وَقَالَ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَالتَّأْمِينُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ لَا لِلْمَأْمُومِ، فَلِذَلِكَ تَبِعَهُ فِي الْجَهْرِ، وَلِهَذَا يَجْهَرُ الْمُنْفَرِدُ بِالتَّأْمِينِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ، صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ‏(‏وَيَجْهَرُ بِهَا غَيْرُهُمَا‏)‏ أَيْ غَيْرُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ تَبَعًا لَهَا ‏(‏فَإِنْ تَرَكَهُ‏)‏ أَيْ التَّأْمِينَ ‏(‏إمَامٌ‏)‏ فِي جَهْرِيَّةٍ ‏(‏أَوْ أَسَرَّهُ‏)‏ الْإِمَامُ فِيهَا ‏(‏أَتَى بِهِ مَأْمُومٌ جَهْرًا‏)‏؛ لِأَنَّ جَهْرَ الْمَأْمُومِ بِهِ سُنَّةٌ‏.‏

فَلَا يَسْقُطُ بِتَرْكِ الْإِمَامِ لَهُ، كَتَرْكِهِ التَّعَوُّذَ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا نَسِيَهُ الْإِمَامُ فَيَجْهَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ لِيُذَكِّرَهُ، فَيَأْتِي بِهِ‏.‏

فَإِنْ زَادَ عَلَى آمِينَ‏:‏ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ‏:‏ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي التَّكْبِيرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي ‏(‏وَيَلْزَمُ جَاهِلًا‏)‏ أَيْ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ ‏(‏تَعَلُّمُهَا‏)‏ أَيْ الْفَاتِحَةِ، لِيَحْفَظَهَا كَبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَا ‏(‏فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ‏)‏ عَنْ تَعَلُّمِهِمَا أَوْ عَجَزَ عَنْهُ سَقَطَ لُزُومُهُ‏.‏

وَ‏(‏لَزِمَهُ قِرَاءَةُ قَدْرِهَا‏)‏ أَيْ الْفَاتِحَةِ ‏(‏فِي الْحُرُوفِ‏)‏ عَدَدًا ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏الْآيَاتِ‏)‏ مِنْ أَيْ سُورَةٍ شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ، لِمَا يَأْتِي فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْهُ‏}‏ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا آيَةً‏)‏ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا ‏(‏كَرَّرَهَا‏)‏ أَيْ الْآيَةَ ‏(‏بِقَدْرِهَا‏)‏ أَيْ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْفَاتِحَةِ فَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ‏.‏

وَإِنْ أَحْسَنَ آيَةً فَأَكْثَرَ مِنْ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِهَا، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا‏.‏

ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا بَعْضَ آيَةٍ لَمْ يُكَرِّرْهُ، وَعَدَلَ إلَى الذِّكْرِ الْآتِي ‏(‏فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قُرْآنًا‏)‏ أَيْ آيَةً مِنْهُ ‏(‏حَرُمَ تَرْجَمَتُهُ‏)‏ أَيْ تَعْبِيرُهُ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ عَنْهُ تَفْسِيرٌ لَا قُرْآنٌ، فَلَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ‏}‏ فَالْإِنْذَارُ مَعَ التَّرْجَمَةِ يَحْصُلُ بِالْمُفَسَّرِ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ لَا بِالتَّفْسِيرِ ‏(‏وَلَزِمَ‏)‏ مَنْ لَا يُحْسِنُ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ ‏(‏قَوْلُ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ‏)‏ لِحَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ رَجُلًا الصَّلَاةَ، فَقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْهُ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ‏.‏

وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ ذَلِكَ وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَنُقْصَانُ الْبَدَلِ عَنْ الْمُبْدَلِ فِي الْقَدَرِ إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُهُمَا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، كَالتَّيَمُّمِ، وَمَسْحِ الْخُفِّ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ لَمْ يَعْرِفْ هَذَا الذِّكْرَ كُلَّهُ، بَلْ ‏(‏عَرَفَ بَعْضَهُ كَرَّرَهُ‏)‏ أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضَ ‏(‏بِقَدْرِهِ‏)‏ كَمَنْ عَرَفَ آيَةً فَأَكْثَرَ مِنْ الْفَاتِحَةِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا مِنْ الذِّكْرِ ‏(‏وَقَفَ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ‏)‏ أَيْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ الْأَخْرَسُ أَوْ النَّاطِقُ وَقَرَأَ قَاعِدًا، لَمْ تُجْزِئْهُ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ وَأَمَّا مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَسُقُوطُ الْقِيَامِ عَنْهُ رُخْصَةٌ لِئَلَّا تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ‏.‏

وَلَا يَلْزَمُ الْعَاجِزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ الصَّلَاةُ خَلْفَ قَارِئٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ ‏(‏وَمَنْ صَلَّى وَتَلَقَّفَ‏)‏ أَيْ أَخَذَ بِسُرْعَةٍ ‏(‏الْقِرَاءَةَ مِنْ لَفْظِ غَيْرِهِ صَحَّتْ‏)‏ صَلَاتُهُ لِإِتْيَانِهِ بِفَرْضِهَا مَعَ التَّوَالِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسُرْعَةٍ، بَلْ مَعَ تَفْرِيقٍ طَوِيلٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا‏.‏

وَفِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيُتَوَجَّهُ عَلَى الْأَشْهَرِ‏:‏ يَلْزَمُ غَيْرَ حَافِظٍ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ مُصْحَفٍ‏.‏

‏(‏ثُمَّ يَقْرَأُ‏)‏ الْمُصَلِّي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ‏(‏سُورَةً كَامِلَةً نَدْبًا‏)‏ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ‏.‏

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْتَتِحَهَا بِالْبَسْمَلَةِ سِرًّا ‏(‏مِنْ طِوَالِ‏)‏ بِكَسْرِ الطَّاءِ ‏(‏الْمُفَصَّلِ فِي‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏الْفَجْرِ وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏قِصَارِهِ‏)‏ أَيْ الْمُفَصَّلِ ‏(‏فِي‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏الْمَغْرِبِ، وَفِي الْبَاقِي‏)‏ مِنْ الْخَمْسِ، وَهِيَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ ‏(‏مِنْ أَوْسَاطِهِ‏)‏ أَيْ الْمُفَصَّلِ لِحَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏{‏مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ‏:‏ فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْغَدَاةِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ‏.‏

وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ، وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ‏.‏

وَلَفْظُهُ لَهُ‏.‏

وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ ‏(‏وَلَا يُكْرَهُ‏)‏ أَنْ يَقْرَأَ مُصَلٍّ ‏(‏لِعُذْرٍ، كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَخَوْفٍ وَغَلَبَةِ نُعَاسٍ وَلُزُومِ غَرِيمٍ ‏(‏بِأَقْصَرَ مِنْ ذَلِكَ‏)‏ فِي فَجْرٍ وَغَيْرِهَا لِلْعُذْرِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ ‏(‏كُرِهَ بِقِصَارِهِ فِي‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏فَجْرٍ‏)‏ نَصَّ عَلَيْهِ، لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ ‏(‏بِطِوَالِهِ فِي مَغْرِبٍ‏)‏ نَصَّ عَلَيْهِ‏.‏

لِلْخَبَرِ ‏"‏ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِيهَا بِالْأَعْرَافِ ‏"‏ وَالسُّورَةُ وَإِنْ قَصُرَتْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ‏:‏ وَتُجْزِئُ آيَةٌ إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ اسْتَحَبَّ كَوْنَهَا طَوِيلَةً، كَآيَةِ الدَّيْنِ وَالْكُرْسِيِّ ‏(‏وَأَوَّلُهُ‏)‏ أَيْ الْمُفَصَّلِ‏:‏ سُورَةُ ‏(‏ق‏)‏ وَلَا يُعْتَدُّ بِالسُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ‏)‏ وَآخِرُهُ‏:‏ آخِرُ الْقُرْآنِ، وَطِوَالُهُ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إلَى عَمَّ، وَأَوْسَاطُهُ إلَى الضُّحَى‏.‏

وَالْبَاقِي‏:‏ قِصَارُهُ ‏(‏وَحَرُمَ تَنْكِيسُ الْكَلِمَاتِ‏)‏ الْقُرْآنِيَّةِ لِإِخْلَالِهِ بِنَظْمِهَا ‏(‏وَتَبْطُلُ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏بِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ، يُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ و‏(‏لَا‏)‏ يَحْرُمُ تَنْكِيسُ ‏(‏السُّوَرِ، وَ‏)‏ لَا تَنْكِيسُ ‏(‏الْآيَاتِ‏)‏ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ، لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ يُعْتَبَرُ تَرْتِيبُهَا، وَتَقَدَّمَ ‏(‏وَيُكْرَهُ‏)‏ تَنْكِيسُ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ‏:‏ تَرْتِيبُ الْآيَاتِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّصِّ وَتَرْتِيبُ السُّوَرِ بِالِاجْتِهَادِ، وَلِهَذَا تَنَوَّعَتْ مَصَاحِفُ الصَّحَابَةِ لَكِنْ لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى الْمُصْحَفِ زَمَنَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَارَ مِمَّا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ‏.‏

وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ لَهُمْ سُنَنًا يَجِبُ اتِّبَاعُهَا ‏(‏ك‏)‏ مَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ ‏(‏بِكُلِّ الْقُرْآنِ فِي‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏فَرْضٍ‏)‏ لِلْإِطَالَةِ وَعَدَمِ نَقْلِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ بِكُلِّهِ فِي نَفْلٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ ‏(‏بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ‏)‏ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَعَلَى الْمَذْهَبِ‏:‏ تُكْرَهُ الْفَاتِحَةُ فَقَطْ‏.‏ اهـ‏.‏

وَظَاهِرُهُ‏:‏ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏تَكْرَارُ سُورَةٍ‏)‏ فِي رَكْعَتَيْنِ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا‏}‏ رَوَاهُ سَعِيدٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا يُكْرَهُ ‏(‏تَفْرِيقُهَا‏)‏ أَيْ السُّورَةِ ‏(‏فِي رَكْعَتَيْنِ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ يَقْرَأُ الْبَقَرَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يُكْرَهُ أَيْضًا ‏(‏جَمْعُ سُورَةٍ فِي رَكْعَةٍ، وَلَوْ فِي فَرْضٍ‏)‏ لِمَا فِي الصَّحِيحِ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَؤُمُّهُمْ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا يَحْمِلُك عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ حُبُّكَ إيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ‏}‏ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏(‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَكْتُوبَةِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يُكْرَهُ أَيْضًا ‏(‏قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا‏)‏ لِعُمُومِ ‏{‏فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ‏}‏ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا، وَفِي الثَّانِيَةِ‏:‏ الْآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ‏:‏ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ‏.‏

الْآيَةَ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا يُكْرَهُ لِمُصَلٍّ ‏(‏مُلَازَمَةُ‏)‏ قِرَاءَةِ ‏(‏سُورَةٍ‏)‏ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ ‏(‏مَعَ اعْتِقَادِ جَوَازِ غَيْرِهَا‏)‏ وَمَعَ اعْتِقَادِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهَا لِلْخَبَرِ، وَإِلَّا حَرُمَ اعْتِقَادُهُ لِفَسَادِهِ‏.‏

‏(‏وَيَجْهَرُ إمَامٌ بِقِرَاءَةِ‏)‏ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ ‏(‏فِي الصُّبْحِ‏)‏ و‏(‏فِي‏)‏ أُولَتَيْ ‏(‏مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ‏)‏ وَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَكُسُوفٍ وَتَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ بَعْدَهَا‏.‏

وَيُسِرُّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لِثُبُوتِ ذَلِكَ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ كُسُوفٍ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ جَهْرٌ بِقِرَاءَةِ ‏(‏الْمَأْمُومِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ، وَالْإِنْصَاتِ لَهَا، وَإِسْمَاعُهُ الْقِرَاءَةَ لِغَيْرِهِ غَيْرُ مَقْصُود‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ لِمُصَلٍّ جَهْرُهُ بِقِرَاءَةٍ ‏(‏نَهَارًا فِي نَفْلٍ‏)‏ غَيْرِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ‏.‏

قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَالْأَظْهَرُ‏:‏ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالنَّهَارِ‏:‏ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، لَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ‏.‏

وَبِاللَّيْلِ‏:‏ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا ‏(‏وَيُخَيَّرُ مُنْفَرِدٌ‏)‏ فِي جَهْرٍ بِقِرَاءَةٍ وَإِخْفَاتٍ فِي جَهْرِيَّةٍ وَيُخَيَّرُ أَيْضًا ‏(‏قَائِمٌ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ‏)‏ مِنْ صُبْحٍ وَأُولَتَيْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ، وَتَرْكُ الْجَهْرِ أَفْضُلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ، وَجَازَ لَهُ الْجَهْرُ، لِشَبَهِهِ بِالْإِمَامِ فِي عَدَمِ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ ‏(‏وَيُسِرُّ‏)‏ مُصَلٍّ بِقِرَاءَةٍ ‏(‏ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ جَهْرٍ‏)‏ كَصُبْحٍ ‏(‏نَهَارًا‏)‏ اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ ‏(‏وَيَجْهَرُ بِهَا‏)‏ أَيْ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ جَهْرٍ قَضَاهَا ‏(‏لَيْلًا فِي جَمَاعَةٍ‏)‏ اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ‏.‏

وَشَبَّهَهَا بِالْأَدَاءِ لِكَوْنِهَا فِي جَمَاعَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مُصَلٍّ لَيْلًا ‏(‏فِي نَفْلٍ يُرَاعِي الْمَصْلَحَةَ‏)‏ فِي جَهْرٍ وَإِخْفَاتٍ، فَيُسِرُّ مَعَ مَنْ يَتَأَذَّى بِجَهْرِهِ، وَيَجْهَرُ مَعَ مَنْ يَأْنَسُ بِهِ، وَنَحْوُهُ‏.‏

وَتَحْرُمُ الْقِرَاءَةُ ‏(‏وَلَا تَصِحُّ‏)‏ صَلَاةٌ ‏(‏بِقِرَاءَةٍ تَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ‏)‏ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، كَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏"‏ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ‏"‏ لِعَدَمِ تَوَاتُرِهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ لَا تَخْرُجُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْعَشَرَةِ، حَيْثُ صَحَّ سَنَدُهُ‏.‏

وَكَرِهَ أَحْمَدُ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ، وَعَنْهُ وَالْإِدْغَامَ الْكَبِيرَ لِأَبِي عَمْرٍو، وَاخْتَارَ قِرَاءَةَ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْهُ، ثُمَّ قِرَاءَةَ عَاصِمٍ، وَقَالَ لَهُ الْمَيْمُونِيُّ‏:‏ أَيَّ الْقِرَاءَةِ تَخْتَارُ لِي فَأَقْرَأُ بِهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ قِرَاءَةَ ابْنِ الْعَلَاءِ لُغَةَ قُرَيْشٍ وَالْفُصَحَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ فِي قِرَاءَةٍ زِيَادَةُ حَرْفٍ مِثْلُ ‏"‏ فَأَزَلَّهُمَا ‏"‏ و‏"‏ أَزَالَهُمَا ‏"‏ و‏"‏ وَصَّى ‏"‏ و‏"‏ أَوْصَى ‏"‏ فَهِيَ أَفْضُلُ لِأَجْلِ الْعَشْرِ حَسَنَاتٍ، نَقَلَهُ حَرْبٌ‏.‏

وَ‏"‏ مَالِكِ ‏"‏ أَحَبُّ إلَى أَحْمَدَ مِنْ ‏"‏ مَلِكِ ‏"‏ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ ‏(‏يَرْكَعُ مُكَبِّرًا‏)‏ أَيْ قَائِلًا فِي هَوِيِّهِ لِرُكُوعِهِ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ ‏(‏رَافِعًا يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَائِهِ‏)‏ أَيْ التَّكْبِيرِ لِحَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ ‏"‏ أَنَّهُ رَأَى ‏{‏مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إذَا صَلَّى، كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ هَكَذَا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ ‏{‏فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ‏.‏

وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ‏(‏فَيَضَعُ‏)‏ رَاكِعٌ ‏(‏يَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ‏)‏ نَدْبًا، إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ وَضْعُ إحْدَاهُمَا وَضَعَهَا، وَالتَّطْبِيقُ مَنْسُوخٌ لِحَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ ‏"‏ صَلَّيْت إلَى جَنْبِ أُبَيٍّ، فَطَبَّقْت بَيْنَ كَفَّيْ، ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ‏:‏ كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا فَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ ‏"‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ‏.‏

وَعَنْ عُمَرَ ‏"‏ الرُّكَبُ سُنَّةٌ لَكُمْ، فَخُذُوا بِالرُّكَبِ ‏"‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ‏.‏

‏(‏وَيَمُدُّ‏)‏ رَاكِعٌ ‏(‏ظَهْرَهُ مُسْتَوِيًا وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَهُ‏)‏ أَيْ حِيَالَ ظَهْرِهِ فَلَا يَرْفَعُهُ عَنْ ظَهْرِهِ، وَلَا يَخْفِضُهُ لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ ‏"‏ وَرَكَعَ فَاعْتَدَلَ، وَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقْنِعْهُ ‏"‏ ‏(‏وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو ‏"‏ أَنَّهُ رَكَعَ فَجَافَى يَدَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ هَكَذَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي ‏"‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ‏.‏

‏(‏وَالْمُجْزِئُ‏)‏ مِنْ رُكُوعٍ‏:‏ الِانْحِنَاءُ ‏(‏بِحَيْثُ يُمْكِنُ‏)‏ مُصَلِّيًا ‏(‏وَسَطًا‏)‏ فِي الْخِلْقَةِ ‏(‏مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَاكِعًا بِدُونِ ذَلِكَ ‏(‏وَقَدْرُهُ‏)‏ أَيْ وَقَدْرُ الِانْحِنَاءِ ‏(‏مِنْ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ غَيْرِ الْوَسَطِ، كَطَوِيلِ الْيَدَيْنِ وَقَصِيرِهِمَا، فَيَنْحَنِي حَتَّى يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ لَأَمْكَنَهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ قَدْرُ الْمُجْزِئِ ‏(‏مِنْ قَاعِدٍ مُقَابَلَةُ وَجْهِهِ‏)‏ بِانْحِنَائِهِ ‏(‏مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ أَرْضٍ أَدْنَى‏)‏ أَيْ أَقَلُّ ‏(‏مُقَابَلَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ مَا دَامَ قَاعِدًا مُعْتَدِلًا لَا يَنْظُرُ مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِذَا انْحَنَى بِحَيْثُ يَرَى مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنْهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ الرُّكُوعِ ‏(‏ وَتَتِمَّتُهَا‏)‏ أَيْ تَتِمَّةُ مُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ ‏(‏الْكَمَالُ‏)‏ فِي رُكُوعِ قَاعِدٍ‏.‏

وَقَالَ الْمَجْدُ‏:‏ ضَابِطُ الْإِجْزَاءِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ‏:‏ أَنْ يَكُونَ انْحِنَاؤُهُ إلَى الرُّكُوعِ الْمُعْتَدِلِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقِيَامِ الْمُعْتَدِلِ وَمَنْ انْحَنَى لِتَنَاوُلِ شَيْءٍ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الرُّكُوعُ لَمْ يُجْزِئْهُ ‏(‏وَيَنْوِيهِ‏)‏ أَيْ الرُّكُوعَ ‏(‏أَحْدَبُ لَا يُمْكِنُهُ‏)‏ رُكُوعٌ، كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ بَعْضَهُ، كَعَاجِزٍ عَنْ رُكُوعٍ يُجْزِئُ الصَّحِيحَ، وَمَنْ بِهِ عِلَّةٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الِانْحِنَاءِ إلَّا عَلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ يَلْزَمُهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏(‏وَيَقُولُ‏)‏ فِي رُكُوعِهِ ‏(‏سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ‏)‏ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ ‏{‏لَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ‏.‏

وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ زَادَ‏:‏ وَبِحَمْدِهِ، فَلَا بَأْسَ، وَحِكْمَةُ التَّخْصِيصِ‏:‏ أَنَّ الْأَعْلَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، بِخِلَافِ الْعَظِيمِ‏.‏

وَالسُّجُودُ‏:‏ غَايَةُ التَّوَاضُعِ، لِمَا فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ، وَهِيَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ، وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الرُّكُوعِ فَجُعِلَ الْأَبْلَغُ مَعَ الْأَبْلَغِ، وَالْمُطْلَقُ مَعَ الْمُطْلَقِ‏.‏

وَالْوَاجِبُ مِنْ التَّسْبِيحِ مَرَّةً لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا فِيمَا سَبَقَ‏.‏

وَسُنَّ تَكْرِيرُهُ ‏(‏ثَلَاثًا‏)‏ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ التَّكْرَارُ ثَلَاثًا ‏(‏أَدْنَى الْكَمَالِ‏)‏ لِحَدِيثِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ‏:‏ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ‏.‏

وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ‏:‏ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ‏.‏

كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، لِأَنَّ عَوْنًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، لَكِنْ عَضَّدَهُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ وَفَتْوَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏(‏وَأَعْلَاهُ‏)‏ أَيْ الْكَمَالِ فِي التَّسْبِيحِ ‏(‏لِإِمَامٍ عَشْرُ‏)‏ مَرَّاتٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ ‏"‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُصَلِّي كَصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَزَرُوا ذَلِكَ بِعَشْرِ تَسْبِيحَاتٍ ‏"‏ ‏(‏وَ‏)‏ أَعْلَى الْكَمَالِ ‏(‏الْمُنْفَرِدِ الْعُرْفُ‏)‏ أَيْ الْمُتَعَارَفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَسَكَتَ عَنْ مَأْمُومٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ ‏(‏وَكَذَا سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فِي سُجُودٍ‏)‏ فَحُكْمُهُ كَتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ فِيمَا يَجِبُ وَأَدْنَى الْكَمَالِ وَأَعْلَاهُ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَالْكَمَالُ فِي‏)‏ قَوْلِ مُصَلٍّ ‏(‏رَبِّ اغْفِرْ لِي، بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ‏:‏ ثَلَاثَ‏)‏ مَرَّاتٍ إمَامًا كَانَ أَوْ مُنْفَرِدًا ‏(‏فِي غَيْرِ صَلَاةِ كُسُوفٍ فِي الْكُلِّ‏)‏ أَيْ تَسْبِيحُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَرَبِّ اغْفِرْ لِي، لِاسْتِحْبَابِ التَّطْوِيلِ الزَّائِدِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهَا‏.‏

وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ ‏(‏ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مَعَ يَدَيْهِ‏)‏ إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ، فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، صَلَّى قَائِمًا أَوْ جَالِسًا، وَهُوَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ‏.‏

حَيْثُ شَرَعَ ‏(‏قَائِلًا، إمَامٌ وَمُنْفَرِدٌ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، مُرَتَّبًا وُجُوبًا‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ وَقَالَ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ‏}‏‏.‏

قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ أَخَذَ فِي رَفْعِ رَأْسِهِ كَقَوْلِهِ ‏"‏ إذَا كَبَّرَ ‏"‏ أَيْ أَخَذَ فِي التَّكْبِيرِ، وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ رَفْعِ الْمَأْمُومِ، فَكَانَ مَحَلَّ رَفْعِ الْإِمَامِ، كَالرُّكُوعِ‏.‏

وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ‏:‏ قَوْلُ مَنْ تَقَدَّمَ ذَكَرَهُمْ فِي رَفْعِهِمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ‏.‏

وَيَدُلُّ لِوُجُوبِ التَّسْمِيعِ عَلَى غَيْرِ مَأْمُومٍ‏:‏ حَدِيثُ أَنَسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا‏:‏ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ‏}‏ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ‏.‏

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا‏.‏

فَقَسَمَ الذِّكْرَ بَيْنَهُمَا، وَالْقِسْمَةُ تَقْطَعُ الشَّرِكَةَ‏.‏

وَمَعْنَى ‏"‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ‏"‏ أَيْ تَقَبَّلَهُ وَجَازَاهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَّسَ التَّسْمِيعَ فَقَالَ‏:‏ لِمَنْ حَمِدَهُ سَمِعَ اللَّهُ لَمْ يُجْزِهِ، كَمَا لَوْ نَكَّسَ التَّكْبِيرَ، وَلِتَغْيِيرِ الْمَعْنَى لِأَنَّ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ‏:‏ خَبَرٌ، مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ، فَإِذَا نُكِّسَتْ صَارَتْ صِيغَةَ شَرْطٍ لَا تَصِحُّ لِلدُّعَاءِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ بَعْدَ رَفْعٍ مِنْ الرُّكُوعِ ‏(‏إنْ شَاءَ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا‏)‏ بِجَانِبَيْهِ، فَيُخَيَّرُ نَصًّا ‏(‏فَإِذَا قَامَ‏)‏ أَيْ اسْتَوَى قَائِمًا حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَوْضِعِهِ لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى قَائِمًا، حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ ‏"‏ ‏(‏قَالَ‏:‏ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ‏)‏ أَيْ بَعْدَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِ، مِمَّا لَا يَعْلَمُ سَعَتَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَالْمَعْنَى‏:‏ حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ ذَلِكَ‏.‏

وَإِثْبَاتُ وَاوِ ‏"‏ وَلَك ‏"‏ أَفْضَلُ نَصًّا لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ حُرُوفًا وَيَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ مُقَدَّرًا وَمُظْهَرًا، أَيْ رَبَّنَا حَمِدْنَاك وَلَك الْحَمْدُ إذْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ، وَلَا مَعْطُوفَ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ، فَيُقَدَّرُ ‏"‏ مِلْءُ ‏"‏ يَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ، وَرَفْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ‏.‏

وَالْمَعْرُوفُ فِي الْأَخْبَارِ ‏"‏ السَّمَاوَاتُ ‏"‏ لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ‏:‏ بِالْإِفْرَادِ، وَلَهُ قَوْلُ ‏"‏ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ‏"‏ وَبِلَا وَاوٍ أَفْضَلُ‏.‏

وَإِنْ عَطَسَ فِي رَفْعِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ لَهُمَا لَمْ يُجْزِهِ نَصًّا‏.‏

وَصَحَّحَ الْمُوَفَّقُ الْإِجْزَاءَ، كَمَا لَوْ قَالَهُ ذَاهِلًا، وَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ، وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْآخَرِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ عَطَسَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ‏(‏وَيُحَمِّدُ‏)‏ بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ يَقُولُ‏:‏ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ فَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ ‏(‏مَأْمُومٌ، وَيَأْتِي بِهِ فِي رَفْعِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا‏:‏ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا‏.‏

فَاقْتَصَرَ عَلَى أَمْرِهِمْ بِقَوْلِهِ ‏"‏ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ‏"‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْرَعُ لَهُمْ غَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالتَّنْقِيحِ‏:‏ لَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ لِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ عَلَى قَوْلِ ‏"‏ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ‏"‏ وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ، تَبَعًا لِلْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا‏:‏ اسْتِحْبَابَ زِيَادَةِ ‏"‏ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ‏:‏ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ ‏"‏ وَغَيْرُهُ مِمَّا صَحَّ، وَمَنْ أَرَادَ رُكُوعًا فَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ قَامَ فَرَكَعَ وَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَطْمَئِنَّ عَادَ إلَيْهِ لِيَطْمَئِنَّ، وَلَا يَلْزَمُهُ ابْتِدَاؤُهُ عَنْ انْتِصَابٍ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ، وَإِنْ رَكَعَ وَاطْمَأَنَّ، ثُمَّ سَقَطَ انْتَصَبَ قَائِمًا لِيَحْصُلَ فَرْضُ الِاعْتِدَالِ عَنْهُ وَإِنْ رَكَعَ وَاطْمَأَنَّ، فَحَدَثَتْ بِهِ عِلَّةٌ مَنَعَتْهُ الْقِيَامَ سَقَطَ عَنْهُ الرَّفْعُ وَيَسْجُدُ فَإِنْ زَالَتْ عِلَّتُهُ بَعْدَ سُجُودِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ لِلرَّفْعِ، وَإِنْ زَالَتْ قَبْلَهُ عَادَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي الرُّكْنِ، وَيَأْتِي حُكْمُ مَنْ نَسِيَ التَّسْبِيحَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ ‏(‏يَخِرُّ‏)‏ سَاجِدًا ‏(‏مُكَبِّرًا، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ‏)‏ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ ‏"‏ وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ ‏"‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو حُمَيْدٍ فِي وَصْفِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ‏)‏ أَوَّلًا بِالْأَرْضِ، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ قَالَ ‏{‏رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيِّ‏:‏ هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَيْ الَّذِي فِيهِ ‏"‏ وَضْعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ ‏"‏ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْهُ ‏{‏إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ، وَلَا يَبْرُكُ بُرُوكَ الْبَعِيرِ‏}‏ وَعَنْ سَعْدٍ قَالَ ‏{‏كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ فَأُمِرْنَا بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ‏}‏ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏

‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَضَعُ ‏(‏يَدَيْهِ‏)‏ أَيْ كَفَّيْهِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَضَعُ ‏(‏جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَكُونُ‏)‏ فِي سُجُودِهِ ‏(‏عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ‏)‏ أَيْ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، مَثْنِيَّةً إلَى الْقِبْلَةِ لِحَدِيثِ ‏{‏أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ‏}‏‏.‏

وَرُوِيَ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضَهُمَا‏}‏ ‏(‏وَالسُّجُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ‏)‏ السَّبْعَةِ مَعَ الْأَنْفِ ‏(‏بِالْمُصَلَّى‏)‏ بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ‏(‏رُكْنٌ مَعَ الْقُدْرَةِ‏)‏ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ وَلَا يَكُفَّ شَعَرًا وَلَا ثَوْبًا‏:‏ الْجَبْهَةِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْأَثْرَمِ وَسَعِيدٍ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُصِيبُ الْأَنْفَ مِنْهَا مَا يُصِيبُ الْجَبْهَةَ‏}‏ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَضَعْ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ‏}‏ و‏(‏لَا‏)‏ تَجِبُ ‏(‏مُبَاشَرَتُهَا‏)‏ أَيْ الْمُصَلَّى ‏(‏بِشَيْءٍ مِنْهَا‏)‏ أَيْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي الْقَدَمَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَيَشْهَدُ لَهُ فِي الْجَبْهَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ ‏{‏كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ‏}‏ ‏(‏وَكُرِهَ تَرْكُهَا‏)‏ أَيْ مُبَاشَرَةِ الْمُصَلَّى بِالْيَدَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ ‏(‏بِلَا عُذْرٍ‏)‏ مِنْ نَحْوِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَأَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ ‏(‏وَيُجْزِئُ بَعْضُ كُلِّ عُضْوٍ‏)‏ فِي السُّجُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ فِي الْحَدِيث، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ كَفَّيْهِ أَوْ أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ فَظَاهِرُ الْخَبَرِ‏:‏ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى ظُهُورِ قَدَمَيْهِ ‏(‏وَمَنْ عَجَزَ‏)‏ عَنْ سُجُودٍ ‏(‏بِالْجَبْهَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ‏)‏ سُجُودٌ ‏(‏بِغَيْرِهَا‏)‏ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِيهِ، وَغَيْرُهَا تَبَعٌ لَهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏إنَّ الْيَدَيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ، فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَهُ فَلْيَرْفَعْهُمَا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَضْعَهُمَا بَعْدَ الْوَجْهِ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

بَلْ إنَّهُمَا تَابِعَانِ لَهُ فِي السُّجُودِ، وَغَيْرُهُمَا أَوْلَى أَوْ مِثْلُهُمَا فِي ذَلِكَ، لِعَدَمِ الْفَارِقِ ‏(‏وَيُومِئ‏)‏ عَاجِزٌ عَنْ السُّجُودِ عَلَى جَبْهَتِهِ غَايَةَ ‏(‏مَا يُمْكِنُهُ‏)‏ وُجُوبًا بِالْحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ وَلَا يُجْزِئُ وَضْعُ بَعْضِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ فَوْقَ بَعْضٍ، كَوَضْعِ رُكْبَتَيْهِ أَوْ جَبْهَتِهِ عَلَى يَدَيْهِ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ أَنْ يُجَافِيَ‏)‏ رَجُلٌ فِي سُجُودِهِ ‏(‏عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ‏)‏ وَأَنْ يُجَافِيَ ‏(‏بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَهُمَا‏)‏ أَيْ وَأَنْ يُجَافِيَ فَخِذَيْهِ ‏(‏عَنْ سَاقَيْهِ‏)‏ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ تَجَنَّحَ فِي سُجُودِهِ، حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبْطَيْهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏مَا لَمْ يُؤْذِ جَارَهُ‏)‏ بِهِ فَيَجِبُ تَرْكُهُ، لِحُصُولِ الْإِيذَاءِ الْمُحَرَّمِ بِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ لَهُ أَنْ ‏(‏يَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ‏}‏ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمُصَلِّي ‏(‏أَنْ يَعْتَمِدَ بِمَرْفِقَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، إنْ طَالَ‏)‏ سُجُودُهُ لِيَسْتَرِيحَ‏.‏

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ شَكَوْا إلَيْهِ مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ ‏{‏اسْتَعِينُوا بِالرُّكَبِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ لَهُ أَنْ ‏(‏يُفَرِّقَ رُكْبَتَيْهِ‏)‏ لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ ‏{‏وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ، غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ ‏(‏أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ وَيُوَجِّهَهَا إلَى الْقِبْلَةِ‏)‏ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ‏}‏ وَفِيَ رِوَايَةِ ‏{‏وَفَتَحَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ‏}‏ ‏(‏وَيَقُولُ‏)‏ فِي سُجُودٍ ‏(‏تَسْبِيحَهُ‏)‏ أَيْ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَتَقَدَّمَ مَا يُجْزِئُ مِنْهُ‏.‏

وَأَدْنَى الْكَمَالِ مِنْهُ وَأَعْلَاهُ، وَإِنْ عَلَا مَوْضِعُ رَأْسِهِ فَلَمْ تَسْتَعْمِلْ أَسَافِلَهُ بِلَا حَاجَةٍ جَازَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ‏.‏

وَإِنْ خَرَجَ عَنْ صِفَةِ السُّجُودِ لَمْ يُجْزِئْهُ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ سَقَطَ بِجَنْبِهِ ثُمَّ انْقَلَبَ سَاجِدًا وَنَوَاهُ أَجْزَأَهُ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ ‏(‏ثُمَّ يَرْفَعُ‏)‏ مِنْ سُجُودِهِ مُكَبِّرًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ ‏{‏ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏{‏وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا عَلَى يُسْرَاهُ‏}‏ بِأَنْ يَبْسُطَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسَ عَلَيْهَا ‏(‏وَيَنْصِبَ يُمْنَاهُ‏)‏ أَيْ يُمْنَى رِجْلَيْهِ، وَيُخْرِجَهَا مِنْ تَحْتَهُ ‏(‏وَيَثْنِيَ أَصَابِعَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ‏)‏ فَيَجْعَلُ بُطُونَ أَصَابِعِهَا عَلَى الْأَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا‏.‏

لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ ‏"‏ ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ‏"‏‏.‏

قَالَ الْأَثْرَمُ‏:‏ تَفَقَّدْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَوَجَدْتُهُ يَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا الْقِبْلَةَ ‏(‏وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ‏)‏ كَجُلُوسِ التَّشَهُّدِ وَلِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ ‏(‏ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتَقَدَّمَ‏)‏ عِنْدَ ذِكْرِ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَإِنْ قَالَ‏:‏ رَبِّ اغْفِرْ لَنَا، أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي فَلَا بَأْسَ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ ‏(‏ثُمَّ يَسْجُدُ‏)‏ سَجْدَةً أُخْرَى ‏(‏كَالْأُولَى‏)‏ فِي الْهَيْئَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏ثُمَّ يَرْفَعُ‏)‏ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ‏(‏مُكَبِّرًا قَائِمًا‏)‏ فَلَا يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ ‏(‏عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ‏)‏ أَطْلَقَ صُدُورَ عَلَى صَدْرَيْنِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِهِ، لِاسْتِثْقَالِ الْجَمْعِ بَيْنَ تَثْنِيَتَيْنِ فِيمَا هُوَ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ ‏(‏مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ‏)‏ لَا عَلَى يَدَيْهِ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ قَالَ ‏{‏رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْأَثْرَمُ‏.‏

وَفِي لَفْظٍ ‏(‏إذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيْهِ‏)‏ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ‏(‏فَإِنْ شَقَّ‏)‏ عَلَيْهِ اعْتِمَادُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ‏(‏فَ‏)‏ إنَّهُ يَعْتَمِدُ ‏(‏بِالْأَرْضِ‏)‏ لِقَوْلِ عَلِيٍّ إنَّ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، إذَا نَهَضَ الرَّجُلُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ‏:‏ أَنْ لَا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ ‏"‏ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا، ثُمَّ اعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ‏}‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ‏(‏ثُمَّ يَأْتِي ب‏)‏ رَكْعَةٍ ‏(‏مِثْلِهَا‏)‏ أَيْ الْأُولَى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ ‏{‏افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا‏}‏ ‏(‏إلَّا فِي تَجْدِيدِ نِيَّةٍ فَيَكْفِي‏)‏ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا، قَالَ جَمْعٌ‏:‏ وَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ‏.‏

لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إلَّا فِي ‏(‏تَحْرِيمِهِ‏)‏ فَلَا تُعَادُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إلَّا فِي ‏(‏اسْتِفْتَاحٍ‏)‏ فَلَا يُشْرَعُ فِي غَيْرِ الْأُولَى مُطْلَقًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إلَّا فِي ‏(‏تَعَوُّذٍ‏)‏ فَلَا يُعَادُ ‏(‏إنْ تَعَوَّذَ فِي‏)‏ الرَّكْعَةِ ‏(‏الْأُولَى‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏"‏ كَانَ ‏{‏إذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَمْ يَسْكُتْ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَعِيذُ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ كُلَّهَا جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ‏.‏

فَالْقِرَاءَةُ فِيهَا كُلِّهَا كَالْقِرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ؛ وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ، لِأَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ بِهَا السُّورَةَ، فَأَشْبَهَ أَوَّلَ رَكْعَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَوَّذْ فِي الْأُولَى وَلَوْ عَمْدًا أَتَى بِهِ فِيمَا بَعْدَهَا‏.‏

‏(‏ثُمَّ يَجْلِسُ‏)‏ بَعْدَ فَرَاغٍ مِنْ ثَانِيَة ‏(‏مُفْتَرِشًا‏)‏ كَجُلُوسٍ بَيْنَ سَجْدَتَيْنِ ‏(‏وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ‏)‏ وَلَا يُلْقِمُهُمَا رُكْبَتَيْهِ ‏(‏يَقْبِضُ مِنْ‏)‏ أَصَابِعِ ‏(‏يُمْنَاهُ‏:‏ الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ، وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى وَيَبْسُطُ أَصَابِعَ يُسْرَاهُ مَضْمُومَةً إلَى الْقِبْلَةِ‏)‏ لِيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِكُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى بِنَعْلَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَنَّهُ وَضَعَ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ عَقَدَ مِنْ أَصَابِعِهِ الْخِنْصَرَ وَاَلَّتِي تَلِيهَا، وَحَلَّقَ حَلْقَةً بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى عَلَى الْإِبْهَامِ، وَرَفَعَ السَّبَّابَةَ يُشِيرُ بِهَا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد‏.‏

وَصِفَةُ التَّحْلِيقِ‏:‏ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رَأْسِ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى فَيُشْبِهُ الْحَلْقَةَ مِنْ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏ثُمَّ يَتَشَهَّدُ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏سِرًّا‏)‏ اسْتِحْبَابًا لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَيُخَفِّفُهُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ بَدْؤُهُ بِالْبَسْمَلَةِ، وَلَا يُكْرَهُ بَلْ تَرْكُهَا أَوْلَى ‏(‏فَيَقُولُ‏:‏ التَّحِيَّاتُ‏)‏ جَمْعُ تَحِيَّةٍ، أَيْ الْعَظَمَةُ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ الْمُلْكُ وَالْبَقَاءُ‏.‏

وَعَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ‏:‏ السَّلَامُ‏.‏

وَجُمِعَ لِأَنَّ مُلُوكَ الْأَرْضِ يُحَيَّوْنَ بِتَحِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ ‏(‏لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ‏)‏ قِيلَ‏:‏ الْخَمْسُ، وَقِيلَ‏:‏ الْمَعْلُومَةُ فِي الشَّرْعِ، وَقِيلَ الرَّحْمَةُ‏.‏

وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ‏:‏ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ الْأَدْعِيَةُ، أَيْ هُوَ الْمَعْبُودُ بِهَا ‏(‏وَالطَّيِّبَاتُ‏)‏ أَيْ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ الْكَلَامُ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ‏(‏السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ‏)‏ بِالْهَمْزِ، مِنْ النَّبَأِ، وَهُوَ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّهُ يُنَبِّئُ النَّاسَ، وَيُنَبَّأُ هُوَ بِالْوَحْيِ، وَبِتَرْكِ الْهَمْزِ تَسْهِيلًا أَوْ مِنْ النُّبُوَّةِ وَهُوَ الرِّفْعَةُ لِرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ عَلَى الْخَلْقِ ‏(‏وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ‏)‏ جَمْعُ بَرَكَةٍ وَهِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ‏.‏

‏(‏السَّلَامُ عَلَيْنَا‏)‏ أَيْ الْحَاضِرِينَ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمَلَائِكَةٍ ‏(‏وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ‏)‏ الصَّالِحُ‏:‏ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، أَوْ الْإِكْثَارُ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ، وَمَنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي صَلَاتِهِ، لِقَوْلِهِ‏:‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏فَإِنَّكُمْ إذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ لِلَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ‏:‏ لَيْسَ شَيْءٌ أَشْرَفَ، وَلَا اسْمٌ أَتَمَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْوَصْفِ بِالْعُبُودِيَّةِ ‏(‏أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أُخْبِرُ بِأَنِّي قَاطِعٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَمِنْ خَوَاصِّ الْهَيْلَلَةِ‏:‏ أَنَّ حُرُوفَهَا كُلَّهَا جَوْفِيَّةٌ، لَيْسَ فِيهَا حَرْفٌ شَفَوِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْإِخْلَاصُ فَيَأْتِي بِهَا مِنْ خَالِصِ جَوْفِهِ وَهُوَ الْقَلْبُ لَا مِنْ الشَّفَتَيْنِ، وَكُلُّ حُرُوفِهَا مُهْمَلَةٌ، دَالَّةٌ عَلَى التَّجَرُّدِ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى ‏(‏وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ‏{‏كُنَّا إذَا جَلَسْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا‏:‏ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ‏.‏

فَسَمِعَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ‏.‏

فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ‏:‏ التَّحِيَّاتُ‏}‏‏.‏

إلَى آخِرِهِ، قَالَ ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ، فَيَدْعُوَ بِهِ‏"‏‏.‏

وَفِي لَفْظٍ ‏{‏عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ‏}‏ قَالَ التِّرْمِذِيُّ‏:‏ هُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ‏.‏

وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَر أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ‏:‏ وَلَيْسَ فِي الْمُتَّفَق عَلَيْهِ حَدِيثٌ غَيْرُهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ‏.‏

وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ‏.‏

وَيَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَمَرَهُ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ ‏(‏وَيُشِيرُ بِسَبَّابَةِ‏)‏ يَدِهِ ‏(‏الْيُمْنَى‏)‏ بِأَنْ يَرْفَعَهَا ‏(‏مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ‏)‏ لَهَا‏.‏

سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشِيرُ بِهَا لِلسَّبِّ‏.‏

وَسَبَّابَةٌ لِأَنَّهُ يُشِيرُ بِهَا لِلتَّوْحِيدِ ‏(‏فِي تَشَهُّدِهِ وَدُعَائِهِ مُطْلَقًا‏)‏، أَيْ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ‏(‏عِنْدَ ذِكْرِ‏)‏ لَفْظِ ‏(‏اللَّهِ تَعَالَى‏)‏ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ وَلَا يُحَرِّكُهَا إذَا دَعَا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ‏.‏

وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَدْعُو بِأُصْبُعِي‏.‏

فَقَالَ‏:‏ أَحَدٌ أَحَدٌ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ‏}‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ‏:‏ لَا يُشِيرُ بِسَبَّابَةِ الْيُسْرَى وَلَا غَيْرِهَا‏.‏

وَلَوْ عُدِمَتْ سِبَابَةُ الْيُمْنَى ‏(‏ثُمَّ يَنْهَضُ‏)‏ قَائِمًا ‏(‏فِي‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏مَغْرِبٍ وَرُبَاعِيَّةٍ‏)‏ كَظُهْرٍ ‏(‏مُكَبِّرًا‏)‏ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ إلَى قِيَامٍ‏.‏

فَأَشْبَهَ الْقِيَامَ مِنْ سُجُودِ الْأُولَى ‏(‏وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ‏.‏

وَلَكِنَّهُ صَحَّ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ‏.‏

فَلِهَذَا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ‏.‏

وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ‏:‏ إنَّهُ الْأَظْهَرُ ‏(‏وَيُصَلِّي الْبَاقِي‏)‏ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ رَكْعَةٌ مِنْ مَغْرِبٍ وَرَكْعَتَانِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ‏(‏كَذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ كَالرَّكْعَةِ الثَّانِيَة ‏(‏إلَّا أَنَّهُ يُسِرُّ‏)‏ الْقِرَاءَةَ إجْمَاعًا ‏(‏وَلَا يَزِيدُ عَلَى الْفَاتِحَةِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَتَقَدَّمَ، وَعَنْ عَلِيٍّ ‏"‏ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ ‏"‏ وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى شُرَيْحٍ يَأْمُرُهُ بِهِ‏.‏

وَرَوَى الشَّالَنْجِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ‏:‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ‏.‏

وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ‏"‏ وَلَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ ‏(‏ثُمَّ يَجْلِسُ‏)‏ لِلتَّشَهُّدِ الثَّانِي ‏(‏مُتَوَرِّكًا‏)‏ بِأَنْ ‏(‏يَفْرِشَ‏)‏ رِجْلَهُ ‏(‏الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ‏)‏ رِجْلَهُ ‏(‏الْيُمْنَى وَيُخْرِجَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ رِجْلَيْهِ مِنْ تَحْتَهُ ‏(‏عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ‏)‏ لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏فَإِذَا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إلَى الْأَرْضِ، وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَخُصَّ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ بِالِافْتِرَاشِ وَالثَّانِي بِالتَّوَرُّكِ خَوْفَ السَّهْوِ‏.‏

وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ خَفِيفٌ، وَالْمُصَلِّي بَعْدَهُ يُبَادِرُ بِالْقِيَامِ، بِخِلَافِ الثَّانِي‏.‏

فَلَيْسَ بَعْدَهُ عَمَلٌ‏.‏

بَلْ يُسَنُّ مُكْثُهُ لِنَحْوِ تَسْبِيحٍ وَدُعَاءٍ ‏(‏ثُمَّ يَتَشَهَّدُ‏)‏ سِرًّا ‏(‏التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ يَقُولُ سِرًّا‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ ‏(‏إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ‏.‏

إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ‏)‏‏.‏

لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ قُلْنَا ‏{‏يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا، أَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ السَّلَامُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قُولُوا فَذَكَرَهُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَقُولُ ‏(‏كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ، وَكَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ‏)‏ لِوُرُودِهِ أَيْضًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الصِّفَةُ ‏(‏الْأُولَى أَوْلَى‏)‏ لِكَوْنِ حَدِيثِهَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى التَّشَهُّدِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، لِفَوَاتِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا‏.‏

وَالْجَوَابُ عَنْ تَشْبِيهِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ‏:‏ أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ بَيْنَ عَطِيَّةٍ تَحْصُلُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ حَصَلَتْ لَهُ قَبْلَ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ‏.‏

فَهُمَا كَرَجُلَيْنِ أُعْطِيَ أَحَدُهُمَا أَلْفًا وَالْآخَر أَلْفَيْنِ، ثُمَّ طُلِبَ لِصَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ مِثْلُ مَا أُعْطِيَ صَاحِبُ الْأَلْفِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَلَا يُرَدُّ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ‏.‏

ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ‏.‏

وَلَوْ أَبْدَلَ آلَ بِأَهْلٍ لَمْ يَجُزْ، لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ، وَتَغَايُرِ الْمَعْنَى، إذْ الْأَهْلُ الْقَرَابَةُ‏.‏

وَالْآلُ الْأَتْبَاعُ فِي الدِّينِ ‏(‏ثُمَّ يَقُولُ نَدْبًا‏:‏ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ ‏(‏وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ‏.‏

فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ‏:‏ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ‏.‏

وَالْمَسِيحُ‏:‏ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ ‏(‏وَإِنْ دَعَا‏)‏ فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِير ‏(‏بِمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقُرْآنِ نَحْوَ ‏{‏رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ‏}‏ فَلَا بَأْسَ ‏(‏أَوْ‏)‏ دَعَا بِمَا وَرَدَ فِي ‏(‏السُّنَّةِ‏)‏ نَحْوَ ‏{‏اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذَّنْبَ إلَّا أَنْتَ‏.‏

فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك، وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الصِّدِّيقِ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ قُلْ - فَذَكَرَهُ ‏"‏ ‏(‏أَوْ‏)‏ دَعَا بِمَا ‏(‏وَرَدَ عَنْ الصَّحَابَةِ‏)‏ كَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي سُجُودِهِ‏:‏ ‏"‏ اللَّهُمَّ كَمَا صُنْت وَجْهِي عَنْ السُّجُودِ لِغَيْرِك، فَصُنْ وَجْهِي عَنْ الْمَسْأَلَةِ لِغَيْرِك ‏"‏ ‏(‏أَوْ‏)‏ دَعَا بِمَا وَرَدَ عَنْ ‏(‏السَّلَفِ‏)‏ الصَّالِحِ فَلَا بَاسَ ‏(‏أَوْ‏)‏ دَعَا ‏(‏بِأَمْرِ الْآخِرَةِ‏)‏ اللَّهُمَّ أَحْسِنْ خَاتِمَتِي ‏(‏وَلَوْ لَمْ يُشْبِهْ مَا وَرَدَ‏)‏ مِمَّا سَبَقَ فَلَا بَاسَ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏(‏ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ‏)‏ ‏(‏أَوْ‏)‏ دَعَا ‏(‏لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِغَيْرِ كَافِ الْخِطَابِ‏)‏ كَمَا كَانَ أَحْمَدُ يَدْعُو لِجَمَاعَةٍ فِي الصَّلَاةِ، مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏(‏وَتَبْطُلُ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالدُّعَاءِ بِكَافِ الْخِطَابِ، كَمَا لَوْ خَاطَبَ آدَمِيًّا بِغَيْرِ الدُّعَاءِ ‏(‏فَلَا بَاسَ‏)‏ لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ‏.‏

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَمَّا السُّجُودُ فَكَثِّرُوا فِيهِ الدُّعَاءَ‏}‏ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُمْ مَا يَدْعُونَ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ جَمِيع الدُّعَاءِ، إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ بِدَلِيلٍ‏.‏

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَمَسْلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ‏}‏ وَلَا تَبْطُلُ أَيْضًا بِقَوْلِ‏:‏ لَعَنَهُ اللَّهُ، عِنْدَ ذِكْرِ الشَّيْطَانِ، وَلَا بِتَعْوِيذِ نَفْسِهِ بِقُرْآنٍ لِحُمَّى، وَنَحْوِهَا‏.‏

وَلَا يَقُولُ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ لِلَدْغِ الْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لَوْ جَمَعَ مَرِيضٌ عِنْدَ قِيَامٍ وَانْحِطَاطٍ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ أَوْ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الدُّعَاءُ بِمَا يَقْصِدُ مِنْهُ مَلَاذَ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا، كَاللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ، أَوْ طَعَامًا طَيِّبًا، أَوْ بُسْتَانًا أَنِيقًا، فَتَبْطُلُ بِهِ‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏(‏مَا لَمْ يَشُقَّ‏)‏ إمَامٌ بِالدُّعَاءِ ‏(‏عَلَى مَأْمُومٍ؛، أَوْ يَخَفْ‏)‏ مُصَلٍّ بِدُعَائِهِ ‏(‏سَهْوًا‏)‏ بِإِطَالَتِهِ فَيَتْرُكُهُ‏.‏

‏(‏ وَكَذَا‏)‏ أَيْ‏:‏ كَالدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِير الدُّعَاءُ فِي ‏(‏رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَقُنُوتٍ، وَاسْتُحِبَّ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ‏:‏ إكْثَارُ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ، لِلْخَبَرِ ‏(‏ثُمَّ يَقُولُ‏)‏ وُجُوبًا‏:‏ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ‏(‏عَنْ يَمِينِهِ‏)‏ اسْتِحْبَابًا ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَقُولُ ‏(‏عَنْ يَسَارِهِ‏)‏ كَذَلِكَ‏:‏ ‏(‏السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ‏)‏ لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ ‏{‏كُنْت أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏مُرَتَّبًا، مُعَرَّفًا‏)‏ بِأَلْ ‏(‏وُجُوبًا‏)‏ فَلَا يُجْزِئُ‏:‏ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَلَا سَلَامِي عَلَيْكُمْ، وَلَا سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَلَا السَّلَامُ عَلَيْهِمْ‏.‏

لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ صَحَّتْ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ‏"‏ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ خِلَافُهُ‏.‏

وَقَالَ ‏{‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏}‏ فَإِنْ تَعَمَّدَ قَوْلًا مِمَّا ذُكِرَ‏.‏

بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ الْوَارِدَ، وَيُخِلُّ بِحَرْفٍ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ الْتِفَاتُهُ عَنْ يَسَارِهِ أَكْثَرَ‏)‏ مِنْ الْتِفَاتِهِ عَنْ يَمِينِهِ، لِحَدِيثِ عَمَّارٍ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَإِذَا سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ‏}‏ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ بِإِسْنَادِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ أَيْضًا ‏(‏حَذْفُ السَّلَامِ‏)‏ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏"‏ حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ‏"‏‏.‏

وَرُوِيَ مَرْفُوعًا، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ‏.‏

‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ حَذْفُ السَّلَامِ ‏(‏أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا يَمُدُّهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا عَلَى النَّاسِ‏)‏ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ أَيْضًا ‏(‏جَزْمُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّلَامِ لِقَوْلِ النَّخَعِيّ‏:‏ ‏"‏ السَّلَامُ جَزْمٌ، وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ ‏"‏ ‏(‏بِأَنْ يَقِفَ عَلَى آخِرِ كُلِّ تَسْلِيمَةٍ‏)‏ إذْ الْجَزْمُ لُغَةً الْقَطْعُ، أَيْ‏:‏ قَطْعُ إعْرَابِهِ بِتَسْكِينِ آخِرِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ أَيْضًا ‏(‏نِيَّتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّي ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّلَامِ ‏(‏الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ‏)‏ لِتَكُونَ النِّيَّةُ شَامِلَةً لِطَرَفَيْ الصَّلَاةِ، وَلَا يَجِبُ، لِأَنَّ النِّيَّةَ شَمِلَتْ جَمِيعَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ السَّلَامِ عَلَى الْحَفَظَةِ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ جَازَ، وَلَا يُسْتَحَبُّ نَصًّا‏.‏

وَكَذَا لَوْ نَوَى ذَلِكَ دُونَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ ‏(‏وَلَا يُجْزِئُ إنْ لَمْ يَقُلْ‏:‏ وَرَحْمَةُ اللَّهِ‏)‏ فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ، أَيْ‏:‏ فِي التَّشَهُّدِ، وَهُوَ سَلَامٌ فِي صَلَاةٍ، وَرَدَ مَقْرُونًا بِالرَّحْمَةِ فَلَمْ يَجُزْ بِدُونِهَا كَالسَّلَامِ ‏(‏وَالْأَوْلَى‏:‏ أَنْ لَا يَزِيدَ وَبَرَكَاتُهُ‏)‏ لِعَدَمِ وُرُودِهِ فِي أَكْثَرِ الْأَخْبَارِ، لَكِنَّهُ لَا يَضُرُّ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ ‏(‏وَأُنْثَى كَرَجُلٍ، حَتَّى فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ‏)‏ لِشُمُولِ الْخِطَابِ لَهَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏}‏ وَلِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا‏.‏

رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ ‏(‏لَكِنْ تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي نَحْوِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ؛ فَلَا يُسَنُّ لَهَا التَّجَافِي‏)‏ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَبِيبٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ، فَقَالَ‏:‏ إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إلَى بَعْضٍ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، فَالْأَلْيَقُ بِهَا الِانْضِمَامُ ‏(‏وَتَجْلِسُ‏)‏ امْرَأَةٌ ‏(‏مُسْدِلَةٌ رِجْلَيْهَا عَنْ يَمِينِهَا وَهُوَ أَفْضَلُ‏)‏ مِنْ تَرَبُّعِهَا، لِأَنَّهُ غَالِبُ جُلُوسِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَشْبَهُ بِجِلْسَةِ الرَّجُلِ، وَأَبْلَغُ فِي الْإِكْمَالِ وَالضَّمِّ، وَأَسْهَلُ عَلَيْهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ تَجْلِسُ ‏(‏مُتَرَبِّعَةً‏)‏ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ ‏(‏وَتُسِرُّ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏بِالْقِرَاءَةِ إنْ سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ‏)‏ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ بِهَا ‏(‏وَالْخُنْثَى كَأُنْثَى‏)‏ فِيمَا تَقَدَّمَ احْتِيَاطًا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏ما يسن عقب كل صلاة‏]‏

ثُمَّ يُسَنُّ عَقِبَ مَكْتُوبَةٍ ‏(‏أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ ثَلَاثًا، وَيَقُولَ‏:‏ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ‏)‏ لِلْخَبَرِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ‏:‏ وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، زَادَ بَعْضُهُمْ وَ‏:‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ، وَمِمَّا وَرَدَ أَيْضًا ‏"‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ‏"‏ ‏(‏وَ‏)‏ يَقُولُ ‏(‏ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ‏)‏ لِلْخَبَرِ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ حَيْثُ ذُكِرَ الْعَدَدُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا قُصِدَ أَنْ لَا يُنْقَصَ مِنْهُ، أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا تَضُرُّ لَا سِيَّمَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ يُشْبِهُ الْمُقَدَّرَ فِي الزَّكَاةِ إذَا زَادَ عَلَيْهِ ‏(‏وَيَفْرُغُ مِنْ عَدَدِ الْكُلِّ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَوْلِ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ‏(‏مَعًا‏)‏ قَالَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، لِلنَّصِّ وَاخْتَارَ الْقَاضِي‏:‏ الْإِفْرَادَ، وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِذَلِكَ‏.‏

وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ خِلَافَهُ، وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا مُخْتَلِفٌ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ‏:‏ وَيَتَوَجَّهُ يَجْهَرُ بِقَصْدِ التَّعْلِيمِ فَقَطْ ثُمَّ يَتْرُكُهُ ‏(‏وَيَعْقِدُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ وَالتَّكْبِيرَ بِعُقَدِ أَصَابِعِهِ اسْتِحْبَابًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَعْقِدُ ‏(‏الِاسْتِغْفَارَ بِيَدِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏{‏قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ، وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الْهِمَّةَ، وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَمِمَّا وَرَدَ أَيْضًا ‏"‏ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ ‏"‏ وَمِنْهُ أَيْضًا بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَشْرًا ‏"‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ ‏"‏ ‏(‏وَيَدْعُو الْإِمَامُ‏)‏ اسْتِحْبَابًا ‏(‏بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ‏)‏‏:‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ‏}‏ خُصُوصًا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ لِحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمَا فَيُؤَمِّنُونَ‏.‏

وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ‏:‏ بَسْطُ يَدَيْهِ وَرَفْعُهُمَا إلَى صَدْرِهِ، وَكَشْفُهُمَا أَوْلَى هُنَا، وَعِنْدَ إحْرَامٍ، وَالْبُدَاءَة بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَخَتْمُهُ بِهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَالَ الْآجُرِّيُّ‏:‏ وَوَسَطُهُ‏:‏ لِخَبَرِ جَابِرٍ‏.‏

وَسُؤَالِهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بِدُعَاءٍ جَامِعٍ مَأْثُورٍ، بِتَأَدُّبٍ، وَخُشُوعٍ، وَخُضُوعٍ وَعَزْمٍ وَرَغْبَةٍ وَخُضُوعِ قَلْبٍ وَرَجَاءٍ‏.‏

وَيَكُونُ مُتَطَهِّرًا مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ، وَيُلِحُّ بِهِ وَيُكَرِّرُهُ ثَلَاثًا وَيَبْدَأُ بِنَفْسِهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَيُعِمُّ، وَيُؤَمِّنُ مُسْتَمِعٌ فَيَصِيرُ كَدَاعٍ، وَيُؤَمِّنُ دَاعٍ فِي أَثْنَاءِ دُعَائِهِ وَيَخْتِمُهُ بِهِ‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ‏:‏ لَا يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ فِيهِ‏.‏

وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ مَرْفُوعًا ‏{‏رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي‏}‏ ‏(‏وَلَا يُكْرَهُ‏)‏ لِلْإِمَامِ ‏(‏أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ‏)‏ بِالدُّعَاءِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ وَالْمُرَادُ الَّذِي لَا يُؤَمِّنُ عَلَيْهِ كَالْمُنْفَرِدِ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ مَعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَعُمُّ، وَإِلَّا فَقَدْ خَانَهُمْ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ ‏{‏ثَلَاثَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ، لَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ‏(‏وَشُرِطَ‏)‏ لِلدُّعَاءِ ‏(‏الْإِخْلَاصُ‏)‏ لِأَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏‏.‏

قَالَ الْآجُرِّيُّ ‏(‏وَاجْتِنَابُ الْحَرَامِ‏)‏ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ‏:‏ أَنَّهُ مِنْ الْأَدَبِ، وَقَالَ شَيْخُنَا‏:‏ تَبْعُدُ إجَابَتُهُ إلَّا مُضْطَرًّا، أَوْ مَظْلُومًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ‏.‏